فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشعراوي:

{فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77)}.
والعقر: هو الذبح بالنسبة للنوق.
وهم هنا يقولون أيضًا مثلما قال السابقون لهم: {... ائتنا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ المرسلين} [الأعراف: 77].
والصادقين تؤول أيضًا إلى المرسلين. لقد اتهموا صالحًا عليه السلام بالكذب كنبي مرسل لهم برغم حدوث الآية الواضحة وهي خروج الناقة من الجبل، لذلك يحل عليهم غضب الله في قوله الحق: {فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ...}. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ} أصل العَقْرِ: كَشْفُ العَراقِيبِ في الإبل، وهو أن يضرب قَوَائمَ البَعِيرِ أو النَّاقَةِ فتقع، وكانت هذه سنتهم في الذَّبْحِ.
قال امرؤ القيس: [الطويل]
وَيَوْمَ عَقَرْتُ لِلْعَذَارَى مَطِيَّتِي ** فَيَا عَجَبًا مِنْ رَحْلِهَا المُتَحَمَّلِ

ثم أطلق على كل نَحْرِ عَقْرٌ، وإن لم يكن فيه كشف عراقيب تسمية للشَّيء بما يلازمه غالبًا، إطلاقًا للمسبّب على مسببّبه هذا قول الازهري.
وقال ابن قتيبة: العَقْرُ: القتل كيف كان، عَقَرْتُها فهي معقورة.
وقيل: العقر: الجرح.
وعليه قول امرئ القيس: [الطويل]
تَقُولُ وَقَدْ مَالَ الغَبِيطُ بِنَا معًا ** عَقَرْتَ بَعِيرِي يَا امْرَأ القَيْسِ فانْزِلِ

يريد: جَرَحْتَهُ بثقلك وتمايلك، والعَقْر والعُقر بالتفح، والضمّ الأصل، ومنه عَقَرْتُه أي: أصبتُ عقره يعني أصله كقولهم: كَبَدْتُه ورَأسْتُه أي: أصبت كَبِدَهُ ورأسه، وعَقَرْتُ النخل: قطعته من أصله، والكَلْبُ العقور منه، والمرأة عَاقِرٌ، وقد عُقِرَت.
والعقر بالضَّمِّ آخر الولد وآخر بيضة يقال: عُقر البيض.
والعَقار بالفتح: الملك من الأبنية، ومنهُ ما غُزِيَ قومٌ في عُقْرِ دارِهمِ إلاَّ ذُلُّوا، وبعضهم يخصه بالنَّخل.
والعُقارُ بالضمِّ: الخمر؛ لأنَّها كالعَاقِرَة للعقل، ورفع عَقِيْرَتَهُ أي: صَوْتَهُ، وأصله أن رجلًا عَقَر رجْلَه فرفع صوته فاستعير لكلِّ صائحٍ، والعُقر بالضمِّ: المَهْرُ.
وأضاف العقر إليهم مع أنَّه ما كان باشره إلا بعضهم؛ لأنَّهُ كان برضاهم.
قوله: {وَعَتَوْا} العُتُوُّ، والعُتِيُّ: النُّبُوُّ أي: الارتفاع عن الطَّاعة يقال منه: عَتَا يَعْتُوا عُتْوًّا وعُتِيًّا بقلب الواوين ياءين، والأحسن فيه إذا كان مصدرًا تصحيح الواوين كقوله: {وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا} [الفرقان: 21] وإذا كان جمعًا الإعلالُ نحو: قوم عُتِيٌّ، لأنَّ الجمع أثقلُ، قياسُه الإعلال تخفيفًا.
وقوله: {أَشَدُّ عَلَى الرحمن عِتِيًّا} [مريم: 66] محتمل للوجهين قوله: {وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكبر عِتِيًّا} [مريم: 8] أي: حالة تتعذر مداواتي فيها كقوله: [الكامل]
-................. ** وَمِنَ العَنَاءِ رِيَاضَةُ الهَرِمِ

وقيل: العاتي: الجاسي أي اليَابِسُ.
ويقال: عَثَا يَعْثُوا عُثُوًّا بالثاء المثلثة من مادة أخرى؛ لأنَّهُ يقال: عَثِي يَعْثَى عِثِيًّا وعثا يَعْثُوا عُثُوًا، فهو في إحْدَى لغتيه يشاركه عَتَا بالمثناة وزنًا ومعنى، ويقاربه في حروفه.
والعيث أيضًا- بتقديم الياء من أسْفَل على الثاي المثلثة- هو الفساد، فيحتمل أن يكون أصلًا، وأن يكون مقلوبًا فيه.
وبعضهم يجعل العَيْث الفساد المدرك حِسًّا، والعِثِيَّ في المدرك حكمًا، وقد تقدَّم طرفٌ من هذا.
ومعنى الآية: استكبورا عن امتثال امر ربّهم وكذّبوا بنبيهم.
قوله: {وَقَالُواْ يَا صَالِحُ ائتنا} يجوزُ لك على رواية من يسهِّل الهمزة وهو وَرْشٌ والسوسي أن تقلب الهمزة واوًا، فتلفظ بصورة يَا صالح وُتِنا في الوصل خاصة تُبْدل الهمزة بحركة ما قبلها، وإن كانت منفصلة من كلمة أخْرَى.
وقرأ عاصمْ وعيسى بْنُ عُمَرَ {أُوْتِنَا} بهمزة وإشباع ضم ولعله عاصم الجحدريّ لا عاصم بن أبي النجود، وهذه القراءة لا تبعد عن الغلطِ؛ لأن همزة الوصل في هذا النحو مكسورة فمن أين جاءت ضمة الهمزة إلاَّ على التوهُّم؟
قوله: {بِمَا تَعِدُنَا} العائِدُ محذوف أي: تَعِدُناه ولا يجوز أن تقدر تَعِدُنا متعديًا إليه بالباء، وإنْ كان الأصْلُ تعديته إليه بها، لئلا يلزم حذف العائد المجرور بحرف من غير اتّحاد متعلقهما لأن بِمَا متعلِّقٌ بالإتيان، وبه متعلق بالوعد ثم قالوا: {إِن كُنتَ مِنَ المرسلين} وإنما قالوا ذلك؛ لأنَّهم كانوا مكذبين في كل ما أخبر عنه من الوَعْدِ والوَعِيدِ. اهـ.

.تفسير الآية رقم (78):

قوله تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ثم سبب عن عتوهم قوله: {فأخذتهم الرجفة} أي التي كانت عنها أو منها الصيحة، أخذ من هو في القبضة على غاية من الصغار والحقارة، ولعل توحيد الدار هنا مع الرجفة في قصة صالح وشعيب عليهما السلام في قوله تعالى: {فأصبحوا في دارهم} أي مساكنهم، وجمعها في القصتين مع الصيحة، في سورة هود عليه السلام للإشارة إلى عظم الزلزلة والصيحة في الموضعين، وذلك لأن الزلزلة إذا كانت في شيء واحد كانت أمكن، فتكون في المقصود من النكال أعظم، والصيحة من شأنها الانتشار، فإذا عمت الأماكن المتنائية والديار المتباعدة فأهلكت أهلها ومزقت جماعتها وفرقت شملها، كانت من القوة المفرطة والشدة البالغة بحيث تنزعج من تأمل وصفها النفوس وتجب له القلوب، وحاصله أنه حيث عبر بالرجفة وحد الدار إشارة إلى شدة العذاب بعظم الاضطراب، وحيث عبر بالصيحة جمع إيماء إلى عموم الموت بشدة الصوت، ولا مخالفة لأن عذابهم كان بكل منها، ولعل إحداهما كانت سببًا للأخرى، ولعل المراد بالرجفة اضطراب القلوب اضطرابًا قطعهًا، أو أن الدار رجفت فرجفت القلوب وهو أقرب، وخصت الأعراف بما ذكر فيها، لأن مقصودها إنذار المعرضين، والرجفة أعظم قرعًا لعدم الإلف لها- والله اعلم.
{جاثمين} أي باركين على ركبهم لازمين أماكنهم لا حراك بأحد منهم، ولم يبق منهم في تلك الساعة أحد إلا رجل واحد كان في الحرم، فلما خرج منه أصابه ما أصاب قومه وهو أبو رغال، ومسافة الحرم عن أرضهم تزيد على مسيرة عشرة أيام، ومن الآيات العظيمة أن ذلك الذي خلع قلوبهم وأزال أرواحهم لم يؤثر في صالح عليه السلام والمستضعفين معه شيئًا، وذلك مثل الريح التي زلزلت الأحزاب، وأنالتهم أشد العذاب، ورمتهم بالحجارة والتراب حتى هزمتهم وما نال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه منها كبير أذى، وكفها الله عن حذيفة، وكذا البرد الذي كان ذلك زمانه لما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم ليتعرف له أخبارهم. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

ثم قال تعالى: {فأخذتهم الرجفة} قال الفراء والزجاج: هي الزلزلة الشديدة.
قال تعالى: {يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبًا مهيلًا} [المزمل: 14] قال الليث: يقال رجف الشيء يرجف رجفًا ورجفانا، كرجفان البعير تحت الرحل، وكما يرجف الشجر إذا أرجفته الريح.
ثم قال: {فأصبحوا في دارهم جاثمين} يعني في بلدهم ولذلك وحد الدار، كما يقال: دار الحرب ومررت بدار البزازين، وجمع في آية أخرى فقال: {في ديارهم} [هود: 94] لأنه أراد بالدار ما لكل واحد منهم من منزله الخاص به.
وقوله: {جاثمين} قال أبو عبيدة: الجثوم للناس والطير، بمنزلة البروك للإبل، فجثوم الطير هو وقوعه لاطئًا بالأرض في حال سكونه بالليل، والمعنى: أنهم أصبحوا جاثمين خامدين لا يتحركون موتى، يقال: الناس جثم أي قعود لا حراك بهم ولا يحسون بشيء، ومنه المجثمة التي جاء النهي عنها، وهي البهيمة التي تربط لترمى، فثبت أن الجثوم عبارة عن السكون والخمود، ثم اختلفوا، فمنهم من قال: لما سمعوا الصيحة العظيمة تقطعت قلوبهم وماتوا جاثمين على الركب، وقيل بل سقطوا على وجوههم، وقيل وصلت الصاعقة إليهم فاحترقوا وصاروا كالرماد.
وقيل: بل عند نزول العذاب عليهم سقط بعضهم على بعض، والكل متقارب.
وهاهنا سؤالات:
السؤال الأول: أنه تعالى لما حكى عنهم أنهم قالوا: {يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين} قال تعالى: {فأخذتهم الرجفة} والفاء للتعقيب وهذا يدل على أن الرجفة أخذتهم عقيب ما ذكروا ذلك الكلام وليس الأمر كذلك، لأنه تعالى قال في آية أخرى: {فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب} [هود: 65].
والجواب: أن الذي يحصل عقيب الشيء بمدة قليلة قد يقال فيه إنه حصل عقيبه فزال السؤال.
السؤال الثاني: طعن قوم من الملحدين في هذه الآيات بأن ألفاظ القرآن قد اختلفت في حكاية هذه الواقعة، وهي الرجفة والطاغية والصيحة، وزعموا أن ذلك يوجب التناقض.
والجواب: قال أبو مسلم: الطاغية اسم لكل ما تجاوز حده سواء كان حيوانًا أو غير حيوان وألحق الهاء به للمبالغة، فالمسلمون يسمون الملك العاتي بالطاغية والطاغوت.
وقال تعالى: {إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى} [العلق: 6، 7] ويقال: طغى طغيانًا وهو طاغ وطاغية.
وقال تعالى: {كذبت ثمود بطغواها} [الشمس: 11] وقال في غير الحيوان: {إنا لما طغا الماء} [الحاقة: 11] أي غلب وتجاوز عن الحد، وأما الرجفة، فهي الزلزلة في الأرض، وهي حركة خارجة عن المعتاد، فلم يبعد إطلاق اسم الطاغية عليها، وأما الصيحة، فالغالب أن الزلزلة لا تنفك عن الصيحة العظيمة الهائلة وأما الصاعقة، فالغالب أنها الزلزلة وكذلك الزجرة قال تعالى: {فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة} [النازعات: 13، 14] فبطل ما قاله الطاعن.
السؤال الثالث: أن القوم قد شاهدوا خروج الناقة عن الصخرة وذلك معجزة قاهرة تقرب حال المكلفين عند مشاهدة هذه المعجزة من الإلجاء، وأيضًا شاهدوا أن الماء الذي كان شربًا لكل أولئك الأقوام في أحد اليومين، كان شربًا لتلك الناقة الواحدة في اليوم الثاني، وذلك أيضًا معجزة قاهرة، ثم إن القوم لما نحروها، وكان صالح عليه السلام قد توعدهم بالعذاب الشديد إن نحروها، فلما شاهدوا بعد إقدامهم على نحرها آثار العذاب، وهو ما يروى أنهم احمروا في اليوم الأول، ثم اصفروا في اليوم الثاني، ثم اسودوا في اليوم الثالث، فمع مشاهدة تلك المعجزات القاهرة في أول الأمر، ثم شاهدوا نزول العذاب الشديد في آخر الأمر، هل يحتمل أن يبقى العاقل مع هذه الأحوال مصرًا على كفره غير تائب منه؟
والجواب الأول أن يقال: إنهم قبل أن شاهدوا تلك العلامات كانوا يكذبون صالحًا في نزول العذاب، فلما شاهدوا العلامات خرجوا عند ذلك عن حد التكليف، وخرجوا عن أن تكون توبتهم مقبولة. اهـ.